لما كنت في الكلية، كنت دايما باستنكر لما حد يقولي " إمتى بقى حتخرج و أسافر"... كنت بحس جدا إن اللي بيقول كده معندهوش أصل.. بشوفه بالضبط زي الراجل اللي أول ما كِبر و إتعلم، إستعر من أمه .. إستعر من جهلها و جلابيتها المقطعة. لما جت الثور،, الوضع إختلف... ناس كتير من اللي كانوا مسافرين رجعوا مصر ...و قرروا يقعدوا هنا و ميسافروش تاني، و يضيفواللناس كل حاجة إتعلموها في الغربة. بس بعد شوية ... ومع الظلم اللي بنشوفه كل يوم في الشارع وفي التلفزيون والجامعة و في البيت وفي كل حتة،الناس بدأت تيأس تاني .. و رجعت نفس العبارة تتردد تاني .. " إمتي بقي نهج و نسيب البلد دي" !! بس المرة ديه, ماقدرتش ألوم على حد زي الأول ... مش قادرة أقول إنهم غلط، ولا برده قادرة أقول إنهم صح ! المرة ديه الآية إتشقلبت ... بعد ما كانوا عايزين يسافروا عشان فرص أحسن في كل حاجة و قرروا إنهم ممكن يخاطروا و يسيبوا كل دة و يرجعوا، المرة دي أمهم هي اللي مش عايزاهم … أمهم هي اللي بتخونهم و مستعرية منهم !!
أعرف ناس كتير من صحابي فعلا سافروا .. تقريبا كلهم ... وساعات كتير لما بفتكرهم بدمع ... مش علشان هما واحشني، خالص .. إحنا كده كده بنتكلم على طول و روحنا بتتواصل مع بعض رغم البعد ..... إنما عشان هما برده رغم إنهم عملوا اللي في دماغهم وسافروا، هم لسة مش مبسوطين …!! .. حتى هو … سافر .. و منغير ما يفكر إيه اللي مستنيه قدام و إيه اللي حيسيبه وراه، راح … فجأة إختفى من حواليا …رغم إنه وعدني كتير إنه دايما حيكون موجود …!
"منار ... أنا آسف .. أنا آسف إني بكتبلك الجواب ده دلوقتي .. بعد فترة طويلة جدا من سفري وقطع سؤالي عنك ... أنا عارف إنك حتكوني كويسة زي مانتي معوداني دايما منك ... وابتسامتك اللي بتطمن لسة مرسومة على وشك مش بتتشال .... وكلامك حيكون لسة بيحضن الناس منغير ما تقربي منهم... أنا عارف إنك عمرك ما حتتغيري و حتفضلي كده على طول. إفتكرت وقت ما سافرت إني حقدر ألاقي حد غيرك .. حد يعوض اللي محتاج أعيشه معاكي بس كان لسة ماءانش الأوان ... أنا كنت مستعجل .. وكنت عايز كل حاجة تيجي بسرعة .... بس بعد ما سافرت و إتمردت على أهلي والناس و حتى عليكي ... أنا، سة مش مبسوط !! ... مش ديه الحياة اللي كنت أتمنى أكمل فيها يا منار ... مش ديه الناس اللي كنت عايز أبدأ معاها من جديد !! .. الناس هنا باردة قوي .. الناس مش بتطبطب .. ماحدش مستعد يضيع وقته عشان يسمعك، عشان يفضل قاعد معاك لحد ما الكلام يطلع لوحده. أنا حاسس إني بقيت ترس صغير في المكنة الكبيرة اللي طاحنة كل الناس ... يمكن الناس هنا بتقدر العلم، بس مش هم اللي محتاجين ده ... إحنا اللي محتاجينه!!... أنا حاسس إني محروم .. محروم إني حتى لو وصلت للي أنا عايزه أرجع و أقول شكرا للناس اللي وصلوني لدة! .... الغربة صعبة قوي يا منار ... الغربة وجع ... الغربة سكينة غارسة في القلب وماشي بيها طول الوقت ومش قادر حتى اصرخ استنجد بـحد ... الغربة بتحرق في قلوبنا كل يوم ... الغربة عاملة بالضبط زي الخابور اللي بيخرم في الراس كل يوم الصبح لما باصحى على شمسهم الباردة، اللي مش عارف أتعود عليها .......أنا آسف، طولت عليكي ... بس عايزك تكوني حلوة على طول ... وتفضلي تنوري حتى لو أنا كنت زعلتك كتير .. وحتى لو الدنيا كمان زعلتك ... لو سمحتي افضلي منورة "....
ليه إخترعوا الطيارات؟ ... عشان تحرق قلوبنا على الناس اللي بنسيبهم ورانا و إحنا ماشيين
طب و الشنط؟ ....... عشان نِلم فيها حتت من قلوبنا تفكرنا بـدفا هناك
و الباسبورت ؟ ...... عشان يشيلوا عننا جنسية الإنسان و نتصنف حسب الأصل واللون
طب و ليه عملوا الحدود ؟ ... عشان تحسسنا بعجزنا .. لما كل يوم الصبح نبقي عايزين نشوفهم، و مش بنبقي عارفين !!